الجسد الجزء الاول
.. بمسطرة منفصلة عن الحادث الذي نقيسه .. فنحن إذن نقيس منالعتبة نفسها .. عتبة الروح .. فالوجود الروحي يمثله فينا أيض ا الضمير و
يدل عليه أيض ا الإحساس بالجمال .. و تدل عليه الحاسة الخفية التي تميز
الحق من الباطل و الزائف من الصحيح .. و تدل عليه الحرية الداخلية ..
فالروح هي منطقة السريرة و الحرية المطلقة و الاختيار و التمييز .
و حينما نعيش حياتنا لا نضع اعتبار ا للموت و نتصرف في كل لحظة دون أن
نحسب حساب ا للموت .. و ننظر إلى الموت كأنه اللامعقول .. فنحن في
الواقع نفكر و نتصرف بهذه الأنا العميقة التي هي الروح و التي لا تعرف
الموت بطبيعتها .
فالموت بالنسبة للروح التي تعيش خارج منطقة الزمن هو بالنسبة لها .. لا
أكثر من تغيير ثوب .. لا أكثر من انتقال ..
أما الموت كفناء و كعدم فهو أمر لا تعرفه , فهي أبد ا و دائم ا كانت حالة
حضور و شخوص .. إنها كانت دائم ا هنا .
إنها الحضرة المستمرة التي لم و لا يطرأ عليها طارئ الزوال . و كل ما
سوف يحدث لها بالموت .. أنها سوف تخلع الثوب الجسدي الترابي .. و
كما تقول الصوفية تلبس الثوب البرزخي .. ثم تخلع الثوب البرزخي لتلبس
الثوب الملكوتي .. ثم تخلع الثوب الملكوتي لتلبس الثوب الجبروتي ..
كادحة من درجة إلى درجة ارتفاع ا إلى خالقها .. كل روح ترتفع بقدر
صفائها و شفافيتها و قدرتها على التحليق .. على حين تتهابط الأرواح
الكثيفة إلى ظلمات سحيقة و تنقضي عليها الآباد و هي تحاول الخلاص .
و أترك الصوفيين لمشاهداتهم حتى لا نضيع معهم في التيه , و ليس
هدفي من هذه الدراسة عبور حاجز الموت لمعرفة ما وراءه , فهذا طمع
في غير مطمع و رغبة في مستحيل .
و يكفي أن أقف بالقارئ ليتأمل نفسه و يكشف ذاته العميقة الحاكمة
الآمرة (.....)تلك التي أسميتها الروح .. و التي استدللت عليها بأبلغ دلالة
.. بشعور الحضرة التي يشعر بها كل منا في داخل نفسه
التغير و كأنها العين المفتوحة داخلها على الدوام .
ذلك الصحو الداخلي .
ذلك النور غير المرئي في نفوسنا و الذي نرى على ضوئه طريق
الحق و نعرف طريق القبح من الجمال و الخير من الشر .
تلك العتبة إلى نرصد من فوقها حركة الزمن و ندرك مروره .. و نرى مرور
الأشياء و ندرك حركتها .
تلك النقطة في داخل الدائرة .
المركز الذي تدور حوله أحداثنا الدنيوية الزمنية و هو شاخص في مكانه لا
يتحرك و لا ينصرم له وجود .
الروح ..
حقيقتنا المطلقة التي هي برغم ذلك لغز .
هل الروح أبدية .. أو أن لها زمن ا آخر ذا تقويم مختلف .. اليوم فيه بألف سنة
؟
و ما العلاقة بين الروح و الجسد ؟
و ما العلاقة بين العقل و المخ ؟
و ما العلاقة بين الذاكرة و التحصيل و استظهار العلوم ؟
إنه موضوع آخر له شرح يطول .
* * *
كتاب رحلتي من الشك إلى الإيمان - مصطفى محمود
محتوى الكتاب :
تعليقات: 0
إرسال تعليق